حان الرحيل بقطار الأيام ولعلى أصل

وصلت في الوقت المناسب تماماً وكأن عقارب الساعه تسير معي ..جلت ببصري و في فكري
ذكري أحلى أيام عشناها معاً وأحاول أن أركز على الناس وأشكالهم لعل أجده بينهم ولكن
شتان بين ذلك...فلن يركز العقل وقد غاب الفكر .
مرت على لحظه كانت مشاعرها وكأنما هي سنين من اللحظات المؤلمه ..لحظة أنكسار ودموع وألم
وأنين وشوق وحنين ومحبة وغربه...
قطع إستغراقي في تلك اللحظه ..صوت صفارة القطار معلنة وصوله إلى محطة الأيــام ..كما أسميتها..
هو أعلن وصوله لإستقبال دفعه أخرى من ركاب الأمل .. والطامحين بسفرهــم للوصول لأحلامهم

ذهبت لمكان إقتطاع التذاكر ..وقفت وأنا أتأمله ..لم يكن عجوزاً بل كان في منتصف الأربعينات
هذا ما أوحت لي به تفاصيل وجهه ..ظهر على وجهه أثر من غدر الحياه وقسوتها ..إبتسم وقال لي :
كم تذكرة تريدين يا آنسه ؟؟ بادلته الإبتسامه وأجبت وكلي صمت صارخ من إجابتي التي أثقلت
قلبي بهمها : أريد تذكرة لي وتذكرة له ؟؟...فأجابني مندهشاً : وأين هو؟!
أطرقت رأسي لبرهة ورفعته ليرى أن الدمع قد تجمع بعيني يريد الصراخ بهم ..أحرق سعادته
وأجبرت حروفي على البوح فأجابت عني : بإنه رحل .. إزداد إندهاشه وتعجب مني ؟؟
وفي عينيه إستسفارات ..عن دموعي وعن تصرفي ..وعن رحيله؟؟؟!!! وأخيراً قال لي :
رحل من دونك ... تلك الكفيله كانت كفيله بنزف جميع الجروح التى ضمدتها عبر السنين فأكمل
قائلاً : أعتذر .. ولكن كيف تأخذين تذكرة لإنسان راحل ولن يستطيع الصعود معك؟؟ أجابته
بعدما إنهارات قواي وأعلنت الدموع عدم قدرتها على الصمود أمام قوة الألم وبداخلي صرخات
باكيه تئن أنين المذبوح فدافعت عبراتي وقلت : رحل نعم.. رحل بوجوده بيننا ولكن لم ترحل
روحه عني وظلت ترافقني ..هو هاجر بجسده ولكن لم يهاجر كيانه ..لإنه بداخل كياني ..هو
معي بكل وقت .. لازلت أسمع نبضات قلبه وهمسات روحه وإحساس شوقه ...ولازلت أشم
عطره البديع الذي يسري كالنسمات العابقه بحنين وصمت السنين ... ولازلت أشعر بدفء كفوفه
وحنان صدره وطيبة قلبه .. و..إلتفت إلى صوت قاطع التذاكر وعيناه قد حملت كل عناء سنينه
وألم لياليه وهو يقول: أرجوك كفي ليتني أعلم أين تكون أراضيه؟؟ ليتني أعلم أين ذهب ولو
بآخر العالم سألحقه وسأناديه وسأقول تعال يامن تركت قلباً لو بحثت عن مثله بقلوب الناس أجمع
ولم ..و..لن تجد مثله أبداً ولن تتمتع بقلب دافئ كما تركت ولن تشعر بحنان مثل ما هجرت و
أريد أن أعرف لما رحل ؟! لما يترك ما يبحث عنه أي إنسان عنه ؟؟؟ وأنا أول من يبحث بعد
رحيل من سكنوا قلبي ولكن فأجأهم رحيل مؤبد .. مسحت دموعي وقد بلغ اليأس مني مبلغه
إبتسمت له وقلت : لا تقلق تلك حياتنا ... هكذا نعيشها ونحيا بها إلتفت خلفي فرأيت أن تلك
المحطه قد خلت من الركاب القادمون ولم يكن هناك ركاب مسافرون سواي وبعض العمال يحملون
بعض البضائع وإمرأه معها طفله تبدو كالقمر عند تبسمها ضحكت لها بالرغم من تلك الآلام التي
تكاد تقتلني ولكن هذه طفله وإبتسامتها لا تعوض ولو بكنوز الدنيا ...
إلتفت إلى قاطع التذاكر وأخبرته بأني سأدفع تذكرة المرأه وطفلتها ..شكرتني وقدمت لي شراباً كان
معها وركبنا القطار سوياً وسط ضحكات الطفله وهي سعيده بصعودها للقطار جلست الطفله بجانب
النافذه وبجوارها أمها وجلست أنا في المقعد المقابل لهما ..تكلمنا سوياً وضحكنا وأكلنا وما إن غابت الشمس في منظر آسر خلاب ملكني
وذكرني بكل ما أعانيه وأقاسيه ولكن تبسمت له..وقلت في نفسي وكلي أمل يحاول الإستقرار في قلبي المضطرب "" غــداً يوم آخـــــــــــــر""
ألقيت السلام على أم الطفله بعد أن طبعت قبله حانيه على جبين تلك الطفله العذبه
وتوجهت إلى مقعد منعزل جلست عليه بعد أن أسندت ظهري بكل تعب وكلى أنين من ذلك الواقع المر ولازلت أنتظر الوصول
للمحطة التاليه وأنا بشوق وحنين لعلي أجده هناك فلقد تركت له في كل مكان عطر الياسمين الذي لطالما أحب وجوده معي وبحث عني بواستطه ...
لذلك كنت ولازلت منذ سنين جمعتنا ..زهر الياسمين.. وهنا أترك لكمــــ إبتســامه بعطر الياسمين وسأظل أنتظر الوصول
للمحطة القادمه لعلي أجد سعادتي وبسمة الياسمين الراحله معه ...

سأرحل ولكن سأعود بثرثره جديده كعطر الياسمين ..الذي عرفو ه ورحل عنه من أحبه